تسجيل الدخول
التصنيف :

#موهبة#

4239

الموهبة أكثر من تحصيل دراسي

يفترض ستيرنبرغ Sternberg, 1988, 2000)) أن الموهبة عملية إدارة ذاتية جيدة للقدرات العقلية وهو مايقدم صورة واضحة لأهمية تكامل أكثر من عامل في تحقيق السلوك الذي يمكن وسمه بالموهوب. هذه النظرية تشترط وجود ثلاث قدرات على مستوى عال حتى يمكن وسم السلوك بأنه دلالة وجود موهبة ما. القدرات الثلاث هي: الذكاء المنطقي (Analytic Intelligence)، الإبداع Creativity))، والذكاء التطبيقي (Practical Intelligence). لتوضيح المراد بهذه القدرات يمكن لنا إعطاء أمثلة لثلاث شخصيات يواجهها المعلم والمربي باستمرار في المدرسة وخارجها.

• سعيد طالب مجد في المدرسة يحصل على أعلى الدرجات في القراءة والكتابة، ونادرا ما يخفق في حل المسائل الرياضية. المعلم دائما يصف سعيد بأنه تلميذ ذكي. على الرغم من هذا التميز إلا أن سعيدا نادرا ما يستطيع الاتيان بأفكار وحلول مبتكرة. فالتلميذ هنا قادر على إنجاز المطلوب على مستوى عال من الإتقان بالأسلوب الذي تعلمه من أستاذه، لكنه غير قادر على الوصول إلى أساليب جديدة للوصول إلى الهدف أو أفكار ذات سمة العمق والجدة في الموضوع المطروح. هذه القدرة يطلق عليها ستيرنبرغ الذكاء المنطقي أو الأكاديمي والتي يمكن قياسها من خلال اختبارات الذكاء والتحصيل الدراسي.

• سعد تلميذ آخر لدى المعلم نفسه. على الرغم من أن سعدا ليست لديه قدرات التحصيل الدراسي، والتي تتطلب أن يكون الفرد ماهرا في العمليات التكوينية (componential operations) كما هو الحال مع سعيد إلا أنه كثيرا ما يبهر أستاذه بأفكار غريبة ومبتكرة. المعلم كثيرا ما يعلل هذه الظاهرة بأنها محض صدفة. بعض هذه الأفكار تبدو ولأول وهلة بأنها تافهة أو بعيدة الاحتمالية ولكنها في الواقع أفكار إبداعية. هذه القدرة يطلق عليها ستيرنبرغ الذكاء الإبداعي. هذه القدرة تمكن صاحبها من الخروج بحلول مبتكرة وذلك من خلال قدرة الربط بين الأفكار التي تبدو في ظاهرها متناقضة أو متباعدة.

• سالم تلميذ ثالث في نفس الصف الدراسي. سالم لا يبدو بارزا في الصف لا من خلال التحصيل الأكاديمي ولا من خلال المشاركات الجذابة، لكن المعلم كثيرا ما يلجأ إليه لحل بعض المشكلات الصفية. هذا التلميذ لديه القدرة على استخدام الذكاء المنطقي والإبداعي في مواقف حية. هذه القدرة يسميها ستيرنبرغ الذكاء التطبيقي، وتمكن صاحبها من استخدام المعلومات النظرية في المواقف الحية لتحقيق النجاح المطلوب. التلميذ هنا قادر على الجمع بين القدرتين السابقتين في المجال التطبيقي أكثر منه في المجال النظري.

معظم الناس لديهم مزيج من هذه القدرات الثلاث بنسب متفاوتة ولكن ما يصنع الموهبة على حد رأي ستيرنبرغ هو وجود هذه القدرات الثلاث بنسب عالية لدى الفرد مع القدرة على استخدام أيا منها في الوقت المناسب. الموهبة هنا هي القدرة على الإدارة المتوازنة لهذه القدرات الثلاث بفاعلية.
 

الموهبة أكثر بكثير من مجرد تحصيل دراسي

وبعيدا عن الدخول في معمعة نظريات أخرى لتفسير كنه الموهبة أجد من الأجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الحديثة في مجال الموهبة والتفوق العقلي تتجه نحو لفت انتباه المربين إلى أن معظم التلاميذ لديهم مهارة ونبوغ في أحد المجالات المهمة التي تحتاجها البشرية. وقد برزت خلال العشر السنوات الأخيرة نظرية قاردنر  (Gardner, 1997) التي تعد من أكبر صيحات التربية الحديثة فيما يتعلق بالذكاء والموهبة. أطلق على هذه النظرية اسم الذكاء المتعدد   (Multiple Intelligences). هذه النظرية خرجت إلى الوجود نتيجة لأبحاث متعمقة في مجال العقل البشري الطبي والنظري.

هذه النظرية تفترض أن هناك سبعة أضرب من الذكاء (أضاف قاردنر مؤخرا واحد لتصبح ثمانية إلا أن هذه لم تخضع بعد إلى التجريب الدقيق). من الممكن لأي فرد أن يكون صاحب موهبة في واحد أو أكثر من هذه الأنواع. فيما يلي مختصر لهذه الأنواع السبعة:


1. الذكاء اللغوي أو اللفظي Verbal-Linguistic Intelligence: يظهر هذا النوع من الذكاء في القدرة على استخدام المفردات اللغوية في مواقف متعددة ولأهداف متنوعة. ومن أمثلة هذا النوع من الذكاء قدرات: الاقناع، المناظرة، رواية القصص، إنشاء الشعر، الكتابة. عادة ما تجد أن الأفراد المتميزين في هذا النوع من الذكاء يعشقون اللعب بالمفردات على سبيل الدعابة كما أنهم متقنين في عمليات التشبيه والتمثيل والتوصيف ويقضون أوقات طويلة في القراءة بلا ملل.

2. الذكاء الرياضي المنطقي Logical-Mathematical Intelligence: هذا النوع من الذكاء يعد أساسا للنبوغ في العلوم الطبيعية والرياضيات. الأفراد المتميزون في هذا المجال عادة ما يركزون على المنطق، لديهم قدرة عالية في الوصول إلى المتناغمات، لديهم قدرة على إيجاد العلاقة بين الأسباب والنتائج، لديهم قدرة ورغبة عارمة في تنفيذ التجارب العملية. وعادة ما تجد أن الأفراد المتميزين في هذا النوع من الذكاء يميلون إلى طرح التساؤلات والافتراضات ويعشقون وضعها تحت الاختبار.

3. الذكاء الفضائي أو التصوريSpatial Intelligence  : يتضمن هذا النوع قدرات غير عادية على تصوِّر المشاهد أو الصور من خلال الحديث اللفظي أو الكتابي. الفرد هنا لديه القدرة على تحويل المكتوب أو حتى المحسوس إنفعاليا إلى صورة مرئية. فهو قادر من خلال استخدام الخيال على صنع أو إعادة تكوين وضع قائم. أوضح الأمثلة للمتميزين في هذا المجال: الرسامون، المصورون، المهندسون، ومهندسو الديكور.

4. الذكاء التناغمي Musical Intelligence: وتتضمن القدرة على التلحين والاحساس بالتناغم الصوتي. الفرد القادر على تحويل الكلمات العابرة أو القصائد إلى أصوات متناغمة مع القدرة على تمييز الجمال أو الخلل في ذلك، هو في الغالب يتمتع بذكاء موسيقي أو تناغمي. من أمثلة الأفراد المتميزين في هذا المجال: القراء، المنشدون، والموسيقيون.

5. الذكاء الجسدي أو الحركي Bodily-Kinesthetic Intelligence: وتتضمن القدرات المتعلقة باستخدام الجسد بصورة فائقة للعادة. هذا النوع من الذكاء يتيح لصاحبه أن يتحكم بنوع من السهولة والخِفّة بالمواد المحسوسة أو بحركات جسمه. ومن الأمثلة على أصحاب هذا النوع من الذكاء: الرياضيون وأصحاب ألعاب خِفْة اليد.

6. الذكاء الاجتماعي Interpersonal Intelligence: يتضمن هذا النوع من الذكاء قدرات على فهم أطباع الآخرين النفسية والاجتماعية بل وحتى العقلية بحساسية وشفافية. هذا النوع من الذكاء يتيح لصاحبه فرصة التعايش الجيد مع أصناف متعددة من البشر. غالبا ما يكون الأفراد المتميزون بهذا النوع من الذكاء أفراد يألفون ويُؤلفون، أفراد قادرون على التعامل مع ردات فعل المقابل ببراعة فائقة. من أمثلة المتمتعين بهذا النوع من الذكاء: المدراء المتميزون، الأطباء النفسيون، والأفراد ذوو القدرة على العمل الجماعي على وجه العموم.

7. الذكاء النفسي الداخلي Intrapersonal Intelligence: وتتضمن القدرة على فهم الإنسان نفسه من الناحية النفسية والانفعالية والعملية. أصحاب هذا النوع من الذكاء غالبا ما يفضلون العمل منفردين كما أن لديهم ثقة كبيرة في قدراتهم على فهم الأمور. تتيح هذه القدرة لصاحبها الاختيار المناسب لنوعية العمل والاتجاه الذي يتناسب طبيعته النفسية والأهداف المناسبة له. أغلب من تم تصنيفهم في هذا النوع من الذكاء هم من القادة العالميون.

هذه النظرية على بساطة محتواها يعدها كثير من التربويين المحدثين واحدة من أعظم الإسهامات التربوية في هذا العصر. وأرى من المناسب التأكيد مرة أخرى أن هذا التصنيف لا يعني أن كل إنسان يتمتع بواحد أو اثنين من هذه الأصناف فقط، ولكن من المعلوم علميا أن معظم الناس لديهم على سبيل الإجمال جميع هذه القدرات بنسب متفاوتة وأن هناك أفرادا لديهم تميّز واضح في واحد منها أو أكثر.



الكاتب:

د.عبدالله الجغيمان