Page 155 - HANDBOOKOFGIFTEDEDUCATION
P. 155

‫ب�شكل فريد‪ -‬للبحث في ت�أثيرات البيئة‪ .‬هناك اثنان من أ�كثر‬                                                                    ‫‪ 150‬العلاقة بين الوراثة والذكاء‬
‫الاكت�شافات أ�همية في �أبحاث الوراثة ال�سلوكية على البيئة‪ ،‬لا‬
‫الوراثة‪ ،‬يمثل �أولها مو�ضوع البيئات الم�شتركة وغير الم�شتركة‬                                      ‫التباين بين القدرة والتح�صيل‪ ،‬مرده العوامل البيئية‪ .‬وقد‬
‫الم�شار �إليهما �ساب ًقا‪ .‬وتكمن الحقيقة الوا�ضحة في �أن الذكاء‬                                    ‫تعك�س العوامل البيئية هذه عمليات تت�صل بالدافعية‪ ،‬حيث �إن‬
‫في العائلات قد ُن�ِسب بطريقة منطقية‪ ،‬لكنها خط�أ‪ ،‬إ�لى‬                                             ‫التناق�ض بين القدرة والتح�صيل يكون وا�ض ًحا ب�صورة جلية‬
                                                                                                  ‫لدى ا ألفراد قليلي الدافعية‪ .‬وت�ستحق الأبحاث التي ت�سعى‬
                         ‫البيئة العائلية الم�شتركة‪.‬‬                                               ‫إ�لى تحديد العوامل البيئية التي تقود �إلى تدني التح�صيل‪،‬‬
                                                                                                  ‫أ�ن ُتعطى الأولوية الق�صوى؛ بغية تقوية الموهوبين من ذوي‬
‫إ�ن فر�ضية البيئة (‪ )Harris, 1998‬القائلة «�إن البيت ُيع ّد‬
‫أ�كثر الأجزاء أ�همية في بيئة الطفل»‪ ،‬تق�ضي ب�أن الأطفال‬                                                   ‫التح�صيل المتدني‪ ،‬وتعزيزهم‪ ،‬وتطوير قدراتهم‪.‬‬
‫الذين يتربون في البيت نف�سه يجب أ�ن ي�شبه بع�ضهم بع ً�ضا؛‬
‫لأنهم ي�شتركون في الت�أثيرات البيئية نف�سها‪ .‬و إ�لى حد ما‪ ،‬هذا‬                                                           ‫تحديد الجينات‬
‫هو الحال قبل مرحلة المراهقة‪ ،‬ولكن على المدى البعيد‪ ،‬لا‬
‫ت�ؤدي التن�شئة في العائلة نف�سها إ�لى جعل الأطفال يح�صلون‬                                         ‫لقد بد�أ القرن الع�شرين باكت�شاف قوانين مندل (‪)Mendel‬‬
‫على علامات م�شابهة في اختبارات الذكاء‪ .‬وفي الواقع‪،‬‬                                                ‫للوراثة‪ ،‬حيث برزت كلمة الوراثة �إلى حيز الوجود عام‬
‫يكونون‬    ‫فم�إت�نشاابهأليطنف‪،‬الإ�ل ّاال أ�منرتابلوطيراثنةورهاثيًياالفم�يس�ؤاوللعةائلعةننف�هسذهاا‬  ‫‪1903‬م‪ .‬وبعد خم�سين عا ًما‪ ،‬تبين �أن أ�لـ (‪ )DNA‬هو الم�س ؤ�ول‬
‫الت�شابه‬                                                                                          ‫عن الوراثة‪ .‬لقد ُف ِّك َك رمز الوراثة عام ‪1966‬م؛ با�ستبدال‬
‫العائلي‪ .‬أ� ّما الت أ�ثيرات البيئية ذات ال�صلة بالتطور المعرفي‪،‬‬                                   ‫الحروف الثلاثة (‪ )DNA‬بالحروف ا ألربعة (‪.)G,A,T,C‬‬
‫فتجعل ا ألطفال داخل العائلة الواحدة مختلفين لا مت�شابهين‪.‬‬                                         ‫وترمز هذه الحروف الثلاثة إ�لى الحمو�ض ا ألمينية الع�شرين‪،‬‬
‫ي�سمى هذا النوع من الت أ�ثير البيئي «البيئة غير الم�شتركة»؛‬                                       ‫التي ُتع ّد اللبنات ا أل�سا�سية للبروتين‪ .‬وقد كانت البداية‬
‫لأن الت�أثيرات البيئية هذه لا ي�شترك فيها ا ألطفال الذين‬                                          ‫العظيمة للقرن الجديد تتمثل في م�شروع الجينوم الب�شري‪،‬‬
‫ين�ش ؤ�ون في العائلة نف�سها (‪.)Plomin & Daniels, 1987‬‬                                             ‫الذي قدم م�سودة عمل لت�سل�سل ثلاثة بلايين حرف لـ (‪)DNA‬‬

‫وكما ذكر آ�ن ًفا‪ ،‬يبدو �أن وراثة الذكاء تزداد خلال دورة‬                                                                       ‫في الجينوم الب�شري‪.‬‬
‫الحياة‪ .‬وفي الوقت الذي تزداد فيه الوراثة‪ ،‬تبد�أ ا آلثار البيئية‬
‫الم�شتركة بالتراجع‪ .‬فقد �أظهرت الأبحاث الوراثية ال�سابقة‬                                          ‫لقد كان أ�كثر �أنواع التطور �إثارة للوراثة ال�سلوكية‪ ،‬تحديد‬
‫التي ت�شمل ا ألطفال ال�صغار والتوائم‪ ،‬وجود �آثار جوهرية‬                                           ‫ت�سل�سلات �ألـ (‪ )DNA‬التي تجعلنا نختلف عن بع�ضنا بع ً�ضا‪،‬‬
‫للبيئة الم�شتركة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد �أ�شارت الأبحاث‬                                          ‫حيث لا يوجد ت�سل�سل جينوم ب�شري؛ �إذ �إن لكل واحد منا‬
‫خلال العقدين الما�ضيين �إلى �أن الآثار البيئية الم�شتركة تقل‬                                      ‫جينو ًما خا ً�صا به‪ .‬وقد ُح ِّددت العديد من فروق أ�لـ (‪،)DNA‬‬
‫كثي ًرا بعد مرحلة المراهقة‪ .‬وعلاوة على ذلك‪ ،‬فقد أ�ظهرت‬                                            ‫حيث قدم م�شروع الجينوم الب�شري تقنيات جديدة جعلت‬
‫درا�سات التوائم تقديرات مبالغ فيها بالن�سبة إ�لى ت�أثير البيئة‬                                    ‫بحث آ�لاف متغيرات �ألـ (‪ )DNA‬في آ�ن واحد �أم ًرا ممك ًنا؛‬
                                                                                                  ‫نظ ًرا إ�لى ات�صالها بال�سمات ال�سلوكية‪ .‬و ُتع ّد فروق �ألـ (‪)DNA‬‬
                      ‫الم�شتركة (‪.)Plomin, 1988‬‬                                                   ‫هذه م�س�ؤولة عن الا�ضطرابات‪ ،‬والأبعاد النف�سية والوراثية‬
                                                                                                  ‫المنت�شرة‪ .‬فعندما نقول إ�ن هذه ال�سمة وراثية‪ ،‬ف إ�ننا نعني‬
‫ي أ�تي الدليل الأقوى لأهمية البيئة الم�شتركة من ارتباط‬                                            ‫�أن المتغيرات في �ألـ (‪ )DNA‬موجودة‪ ،‬وهي ما ُي�س ّبب‬
‫ا إلخوة بالتبني؛ ذلك أ�ن أ�زوا ًجا من ا ألطفال غير المرتبطين‬                                      ‫الاختلافات‪ .‬ويتمثل التحدي في ا�ستعمال �آلاف علامات‬
‫وراث ًيا ُيتب َّنون في العائلات نف�سها‪ ،‬ويكون متو�سط معامل‬                                        ‫أ�لـ (‪ )DNA‬الجديدة لإيجاد الجينات في النظام المركب‪،‬‬
‫ارتباط العامل (‪ )g‬الخا�ص بهم‪ ،‬هو (‪ )0.30‬وف ًقا للدرا�سات‪.‬‬                                         ‫الذي ي�شمل عوامل جينية متعددة‪� ،‬إ�ضافة �إلى عوامل غير‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ف إ�ن مثل هذه الدرا�سات اعتادت على تقويم الإخوة‬                                          ‫جينية (‪ .)Plomin, Owen & McGuffin, 1994‬ورغم �أن‬
                                                                                                  ‫الأبحاث ما تزال قائمة في مجال العامل (‪ )g‬العالي‪ ،‬إ�ل ّا أ�نه لم‬
                               ‫بالتبني ك�أطفال‪.‬‬
‫لقد تو�صلت الدرا�سة الأولى التي �أُجريت عام ‪1978‬م على‬                                                   ‫ُيكت�شف‪ -‬حتى الآن‪ -‬أ�ي جين ُي�سهم في العامل (‪.)g‬‬
‫(‪ )84‬زو ًجا من ا إلخوة بالتبني‪ ،‬تراوحت �أعمارهم بين (‪-16‬‬
                                                                                                                          ‫تحديد البيئات‬

                                                                                                  ‫لا يكفي القول �إن الت�صاميم الوراثية الح�سا�سة‪ ،‬التي تقدر‬
                                                                                                  ‫أ�همية كل من الطبيعة (الوراثة) والتن�شئة (البيئة)‪ ،‬ملائمة‪-‬‬
   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160