Page 134 - AParentsGuidetoGiftedChildren
P. 134
الفصل 6الح ّدة والكمال والتوتّر العصبي
المثالية والنزوع إلى الكمال
يتصور الأطفال الموهوبون في كثير من الأحيان سلوكات وأداءات ومواقف مثالية – لأنفسهم
ولمجتمعهم وحتى للعالم كله .فهم يستطيعون رؤية الطاقات الكامنة ،ولكنهم أي ًضا يرون بوضوح
أنهم لا يستغلونها جي ًدا وأن المجتمع يق ّصر في إبرازها إلى الوجود .وتتسبب ُمثلهم العليا ،في غالب
الأحيان ،في إحساسهم بضرورة المساهمة في تحسين العالم .فهم ،في نهاية المطاف ،يمتلكون
الطاقات التي تجعل الآخرين يتوقعون منهم الشيء الكثير .ويمكن أن يكون الضغط الناجم عن تلك
التوقعات عب ًئا ثقيل ًا لاس ّيما إذا كان الطفل نزا ًعا للإتقان ويتوقع من العالم أن يكون كامل ًا .ويجد هؤلاء
الأطفال صعوبة بالغة في تح ّمل نواقص الحياة اليومية وإحباطاتها.
إن النزوع إلى الكمال المتمثل في السعي إلى التميز يمكن أن يكون قوة دافعة ق ّيمة ج ًدا.
وعندئذ ،فإن تحديد معايير ذاتية عالية والبحث عن أماكن ُيق ّدر فيها النزوع إلى الكمال تكون ضرورة
مل ّحة للنجاح .15ومثال ذلك جراحة الأعصاب ،حيث الدقة مهمة ج ًدا – وهي استعمال صحي للنزوع
إلى الكمال .لكن النزوع إلى الكمال الذي يتضمن السعي إلى تحقيق أهداف عالية غير واقعية ،مع
وجود توتر شديد ومعاناة كبيرة إن لم تتحقق هذه الأهداف ،ليس نزو ًعا صح ًيا .ويشعر بعض الأشخاص
الذين يميلون إلى الكمال أن عدم تحقيق أهدافهم ذات المستويات العالية يع ُّد كارثة حقيقية .إنهم
يشعرون أن الآخرين يق ّدرونهم بسبب ما ينجزونه وليس لمجرد أنهم بشر عاديون غير كاملين يمكن
أن يقعوا في الخطأ.
إن السعي الصحي وراء التميز يعني أن تفعل أفضل ما بوسعك بما تملك من وقت وأدوات ،ثم
تتحرك قد ًما إلى الأمام .أما السعي غير الصحي للكمال فيؤدي دائ ًما إلى عدم الرضا ،لأن العمل لا يكون
أب ًدا «جي ًدا بما يكفي» .وكما قالت عالمة النفس «مورين نيهارت» ،Mauren Neihartفإن السعي
إلى الكمال يشبه الدهون في الجسم؛ فمنه صنف جيد وصنف سيء ،16لكن الأطفال يستفيدون من
الصنفين م ًعا.
وقد تب ّين أن عد ًدا كبي ًرا من الأطفال الموهوبين ،قد يصل إلى نحو ٪20يعانون من هذا السعي
نحو الكمال بحيث يتسبب لهم في مشكلات كثيرة .17ويخبرنا بعض المعلمين وأولياء الأمور عن أطفال
موهوبين يعملون أيا ًما متواصلة على مشروع مع ّين ،ثم يتلفون ما أنجزوه بعد ذلك مباشرة وهم
يشعرون بالإحباط لأن ما أنجزوه لم يكن “جي ًدا بما فيه الكفاية” .كما أن الألم الذي يشعرون به
من هذا السعي إلى الكمال قد يدفع بعضهم إلى التوجه نحو التقاعس أو تدني التحصيل .وعندما
يؤدي السعي للكمال إلى منع الطفل من تحقيق الأهداف المرسومة أو إلى إصابته بالمرض ،فإن على
الوالدين أو المعلمين التدخل لمعالجة هذا النمط غير الصحي من السعي إلى الكمال.
هل السعي إلى الكمال فطري أم مكتسب؟
قد ينزعج والدا الطفل الساعي إلى الكمال لأنهم يعتقدون أنهم هم من أوجدوا هذه النزعة
لدى أطفالهم بسبب توقعاتهم الكبيرة منهم .لكنهم في كثير من الأحيان لا يكونون السبب ،لأن هؤلاء
111