Page 137 - AParentsGuidetoGiftedChildren
P. 137
دليل الوالدين في تربية الأطفال الموهوبين
لكنهم لا يسألون أنفسهم عن ثمن ذلك؟ فالتركيز الشديد على التحصيل العالي يمكن أن يعيق تطور
العلاقات الداعمة والودية المتبادلة مع أطفالهم .وإذا نظرنا إلى “التحصيل الزائد عن الحد” بهذه
الطريقة ،فإنه يمكن أن يمثل بداية مشكلة حقيقية.
ولكن ،متى يكون التحصيل أكثر مما يجب؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال ،وربما
احتاج كل شخص إلى اتخاذ قرار خاص به إزاء ذلك .إن الوصول إلى القمة في أي ميدان من ميادين
المعرفة يتطلب ،في العادة ،تضحيات ذاتية ،وتكريس متواصل للجهود ،وفترات طويلة من الجهود
المكثفة .وقد وصف عالم النفس “سيكزنتميهالي” Csikszentmihalyiاستغراق الأشخاص الموهوبين
وانتباههم المثمر لكل ما حولهم بما أطلق عليه حالة “التدفق” Flowحيث يفقد هؤلاء الأشخاص أي
إحساس بالزمن خلال استغراقهم في هذه الفترات من الإثارة والفرح الشديدين .لقد وقعوا في حب
فكرة مع ّينة ،وكرسوا كل جهودهم ووقتهم لعملهم ،معتمدين على كل ما أوتوا من قوة عقلية وشدة
انفعالية .23ومن هنا فإن العمل واللعب ،عند الأطفال والكبار الموهوبين على حد سواء ،عمليتان
متداخلتان ومترابطتان تما ًما .ولذلك فإن الراشدين البارزين يمتازون بشغف كبير لعملهم .وتكشف لنا
طفولة الرجال المشهورين والنساء المشهورات أنهم قد وجدوا متعة كبيرة في إنجازاتهم ،رغم وجود
تضحية مهمة في المجال الشخصي أو الاجتماعي مقابل هذا التركيز الشديد على العمل .24وقد يحتاج
اليافعون الموهوبون ،نظ ًرا لظاهرة اللاتزامن ،إلى تعلم الموازنة بين الفوائد التي تعود عليهم من
التحصيل الاستثنائي والتضحيات التي تترتب على ذلك التحصيل.
ويمكن أن يتساوى التحصيل الزائد عن الحد مع الالتزام الزائد ،الذي ينبعث من قوة الموهوبين
الانفعالية وتع ّدد إمكاناتهم الفطرية .وليس من الغريب ،تب ًعا لذلك ،أن ترى طال ًبا موهو ًبا في المرحلة
الثانوية مهت ًما بالفرق الموسيقية والمسرحية ،وكرة القدم ،ونادي الشطرنج ،ودراسة ثلاثة مقررات
تسكين متقدمة ،ويجد فوق كل ذلك وق ًتا لممارسة بعض الأعمال التطوعية في أحد المستشفيات
المحلية .وقد لا يجد بعض هؤلاء اليافعين أي وقت للاسترخاء أو اللعب أو التأمل – وهي كلها مهارات
مهمة لشغل أوقات الفراغ عندما يصبحون كبا ًرا راشدين .ويمكن أن يساعد الوالدان هؤلاء الأطفال
بوضع قيود على بعض الأنشطة ونمذجة كيفية تحديد الأولويات ،فكل إنسان يحتاج ،من حين لآخر،
إلى وقت للاسترخاء واللعب ،وتطوير علاقات ُمرضية ،حتى لو كان شديد الشغف بعمله.
كما يمكن أن يبقى الميل إلى الكمال والتحصيل الزائد عن الحد مشكلة تؤرق الموهوبين بعد أن
يصبحوا راشدين .فقد يكتشف «المدمن على العمل» ،Workaholicمثل ًا ،في منتصف حياته ،أنه قد
ر ّكز كثي ًرا على التحصيل وأهمل ،بالمقابل ،بناء علاقات إيجابية مع أفراد عائلته .ولهذا فإن على الوالدين
أن يكونوا حذرين لما يعلموه لأطفالهم مباشرة أو بالقدوة ،لأن هؤلاء الأطفال سوف يتبنون القيم التي
يرونها في سلوكات الوالدين اليومية .ولذلك ،عليك أن تفكر في ما هو تحصيل معقول للطفل ووفر له،
في الوقت ذاته ،وق ًتا للتسلية واللعب.
114